أسباب التفكير السلبي وطرق علاجه

في كتاب “لا أستطيع التوقف عن التفكير“، تُعرّف نانسي كوليير التفكير على أنه نشاط ذهني مستمر يتمثل في تدفق الأفكار والتحليلات التي يقوم بها العقل في محاولة لفهم الأمور والتعامل مع التحديات اليومية. التفكير هنا ليس مجرد عملية لحل المشكلات أو اتخاذ القرارات، بل هو عملية معقدة ومتواصلة ترتبط بتجاربنا ومشاعرنا ولكن قد تتحول هذه القدرة لدى البعض من أداة مفيدة وإلى كارثة ترهق عقولهم من كثرة التفكير السلبي لدرجة الإفراط وما ينتج عنها من ارهاق للصحة النفسية والتسبب بالإصابة بالاضطرابات النفسية، لدرجة تصل لدى البعض إلى التحول لمدمن تفكير سلبي.

مدمن تفكير

مصطلح “مدمن تفكير” كما أوضحته نانسي كوليير في كتاب “لا أستطيع التوقف عن التفكير

يشير إلى الأشخاص الذين يجدون صعوبة بالغة في إيقاف تدفق الأفكار السلبية في أذهانهم.

هؤلاء الأشخاص يشعرون بأنهم مجبرون على التفكير السلبي باستمرار، حتى في الأمور البسيطة أو غير المهمة

مما يجعلهم عالقين في دوامة لا تنتهي من الأفكار السلبية هذا الإدمان على التفكير يمكن أن يؤدي إلى شعور دائم بالتوتر والإجهاد النفسي

ويجعل من الصعب على الشخص أن يستمتع بالحاضر أو يتفاعل مع محيطه بطريقة صحية وإيجابية

أو ينجز أعماله إذا استمر لفترة طويلة دون علاج ممكن أن يؤدي إلى الإصابة باضطراب نفسي.

تعريف التفكير السلبي

التفكير السلبي هو ميل عقل الشخص للتركيز على الجوانب السلبية للمواقف والأحداث الحقيقية او المتخيلة، بدلاً من النظر إلى الجوانب الإيجابية أو الاحتمالات الواقعية.

الأشخاص الذين يعانون من التفكير السلبي قد يرون الأشياء من منظور محبط أو متشائم، مما يؤدي إلى الشعور بمشاعر سلبية

مثل الحزن، التوتر وعدم الراحة، الاكتئاب، والإجهاد النفسي والغضب واليأس لدرجة التحول إلى اضطراب نفسي مثل القلق.

وفي كثير من الأحيان لا يدرك الاشخاص أفكارهم السلبية لأنها تحدث بشكل تلقائي، وتبدو معقولة وقابلة للتصديق وصحيحة، على الرغم من أنها غير منطقية وغير واقعية.

نشعر جميعاً بالأفكار السلبية من وقت لآخر ولكنها تكون أكثر انتشاراً وتطرفاً عند الأشخاص الذين يعانون من الافراط من التفكير السلبي.

أسباب التفكير السلبي

  • التجارب والاحداث الصادمة:

التجارب السلبية أو المؤلمة يمكن أن تترك بصمات عميقة تؤثر على كيفية تفاعل الأشخاص مع مواقف مشابهة في المستقبل.

  • التنشئة الاجتماعية:

الطريقة التي تربا بها الفرد والبيئة التي نشأ فيها، بما في ذلك التأثيرات الأسرية والتعليمية، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على أنماط التفكير.

  • أخطاء التفكير:

الاعتماد على المشاعر بدلاً من المنطق يمكن أن يدفع الأشخاص إلى التفكير السلبي حيث يعانون من أخطاء تفكيرية مثل التفكير الكارثي او العاطفي او التفكير القطبي.

  • الاجهاد والارهاق:

 الإجهاد المزمن يمكن أن يجعل الأفراد أكثر عرضة لرؤية الأمور والاحداث والمواقف بشكل سلبي.

  • الوراثة:

قد تلعب العوامل الوراثية دوراً في ميل بعض الأشخاص إلى التفكير السلبي.

سمات من يعاني من التفكير السلبي:

فيما يلي بعض الخصائص والسمات التي يتميز بها الأشخاص الذين يعانون من الافراط في التفكير السلبي:

الانشغال الدائم بالتفكير:

يميل مدمن التفكير السلبي إلى الانشغال الدائم بالتفكير في مشكلات، قرارات، أو حتى أحداث يومية بسيطة هذا التفكير السلبي المستمر لا يتوقف حتى عندما لا تكون هناك حاجة ماسة له.

المعاناة من القلق والتوتر المستمرين:

يعاني المصاب بالتفكير السلبي من مشاعر القلق والتوتر بسبب عدم قدرته على التحكم في تدفق سيل الأفكار المتكررة حول الأمور السلبية أو المستقبلية المهمة والغير مهمة.

عدم التركيز:

يجد الشخص الذي يعاني من ادمان التفكير صعوبة في التركيز على المهام الحالية أو الاستمتاع باللحظة الراهنة

بسبب الانشغال الدائم بالتفكير في أمور أخرى وبالتالي هذا الامر يؤثر على الأداء اليومي والقدرة على الاستمتاع بالنشاطات اليومية والعلاقات الاجتماعية.

الاجهاد العقلي:

التفكير المستمر يسبب إرهاقاً للعقل، مما يجعل الشخص يشعر بالتعب وعدم القدرة على الاسترخاء وبالتالي المعاناة من مشاكل النوم مثل الارق والكوابيس وصعوبة في الحصول على الراحة الذهنية.

– العيش في الماضي أو المستقبل:

 غالباً ما يميل من يعاني من كثرة التفكير إلى التركيز على احداث الماضي أو القلق بشأن المستقبل بدلاً من العيش في الوقت الحاضر، هذا يجعل من الصعب عليه التفاعل بشكل إيجابي مع الحياة اليومية.

علاج التفكير السلبي من خلال العلاج المعرفي السلوكي (CBT)؟

  1. الاعتراف بوجود مشكله وهي كثرة التفكير السلبي:

الخطوة الأولى هي الاعتراف بوجود مشكلة في التفكير السلبي المفرط، والفهم والوعي بهذا النمط من التفكير هو بداية التغيير.

  • ممارسة تقنيات اليقظة الذهنية:

اليقظة الذهنية تعرف بأنها الممارسة والانتباه الواعي لكل ما يجري حولك وتقوم به حيث يمكنها أن تساعد في تهدئة العقل والحد من تدفق الأفكار السلبية

لأن التركيز على اللحظة الحالية يمنح العقل فرصة للاسترخاء وإيقاف التفكير في المستقبل.

  • الأنشطة الرياضية:

الأنشطة البدني يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتخفيف التوتر وتقليل التفكير الزائد، حيث تعمل على تعزز الصحة النفسية من خلال تحسين المزاج وتقليل القلق والتوتر وبالتالي التأثير الإيجابي على الافراط في التفكير.

  • تحديد وقت للتفكير:

يمكن تخصيص وقت محدد خلال اليوم للتفكير في المشكلات أو التخطيط، مما يساعد على تقليل التفكير العشوائي والمستمر وبالتالي تحسين التفكير الإيجابي المنطقي.

  • استخدام تكنيك إعادة الهيكلة المعرفية:

يعد تكنيك إعادة الهيكلة المعرفية في صميم العلاج المعرفي السلوكي وهو اسلوب علاجي حديث مدروس جيداً

ويمكن أن يكون فعالاً في علاج العديد من حالات الاضطرابات النفسية ك الاكتئاب واضطرابات القلق، والوسواس واضطراب ما بعد الصدمة …. الخ

في العلاج المعرفي السلوكي يعمل المريض والمعالج معاً لتحديد أنماط التفكير الخاطئة التي، تساهم في حدوث المشكلة وممارسة التقنيات للمساعدة في إعادة تشكيل أنماط التفكير السلبية.

تعمل تقنيات إعادة الهيكلة المعرفية على تفكيك الأفكار السلبية ومن ثم إعادة بنائها بطريقة أكثر توازنا ودقة.

على الرغم من أنه يمكن لأي شخص استخدام تقنيات إعادة الهيكلة المعرفية لتحسين عادات التفكير لديه والتخلص من الافراط في التفكير السلبي

إلا أن العديد من الأشخاص يجدون أنه من المفيد التعاون مع المعالج المعرفي السلوكي.

يمكن أن يساعد المعالج المريض في معرفة أنماط التفكير السلبي التي تؤثر عليه. ويمكنه أيضاً شرح كيف ولماذا تكون الفكرة غير منطقية أو غير دقيقة.

يمكن أن يساعدك المعالج أيضاً على تعلم كيفية “طرح الأسئلة” على أنماط التفكير الخاطئة وإعادة تصميمها بحيث تكون أكثر إيجابية.

فيما يلي خطوات إعادة الهيكلة المعرفية وفق العلاج المعرفي السلوكي:

1- اعرف ما هي أنواع الافكار السلبية لديك:

في كثير من الأحيان لا ندرك أننا نفكر بطريقة سلبية غير مفيدة، وهذا يمكن أن يجعل من الصعب التقاط هذه الأفكار في المقام الأول

ومع ذلك، إذا عرفنا أي نوع من التفكير غير مفيد، فقد نجد أنه من الأسهل اكتشافه.

تشمل أنواع الأفكار السلبية غير المفيدة ما يلي:

  • توقع دائماً أسوأ النتائج من أي موقف.
  • تجاهل الجوانب الجيدة من الموقف والتركيز فقط على الجانب السلبي.
  • رؤية الأشياء إما جيدة فقط أو سيئة فقط، ولا يوجد شيء بينهما (تفكير أبيض وأسود).

2- تدرب على الإمساك بالأفكار السلبية:

حاول أن تضع فئات الأفكار السلبية في الاعتبار، وإذا وجدت نفسك تراودك فكرة سلبية غير مفيدة أثناء يومك، ففكر فيما إذا كانت تناسب واحدة منها.

قد يبدو تعلم كيفية ضبط أفكارك بهذه الطريقة أمراً صعباً في البداية، ولكن حتى مجرد إدراك أنواع الأفكار السلبية غير المفيدة الموجودة

سوف يساعدك على البدء في التعرف على الأوقات التي تنخرط فيها في التفكير السلبي غير المفيد بنفسك.

3- تحقق من أفكارك السلبية غير المفيدة:

بمجرد أن تخطر ببالك فكرة سلبية غير مفيدة، فإن الخطوة التالية هي التحقق منها وهذا يعني التراجع خطوة إلى الوراء ودراسة الوضع على سبيل المثال:

 قد تكون قلقاً بشأن مهمة يتعين عليك القيام بها في العمل، وتكون مقتنعاً بأنها ستسير على نحو خاطئ وسيعتقد الجميع أنك فاشل

بدلاً من قبول هذه الفكرة والشعور بالسوء على الفور، خذ لحظة للتحقق منها.

حاول أن تسأل نفسك الأسئلة التالية:

  • ما مدى احتمالية النتيجة التي تقلقك؟
  • هل هناك دليل جيد على ذلك؟
  • هل هناك تفسيرات أخرى أو نتائج محتملة؟
  • هل هناك دليل جيد على طرق بديلة للنظر إلى الوضع؟
  • ماذا ستقول لصديقك إذا كان يفكر بهذه الطريقة؟

4- قم بتغيير أفكارك السلبية:

في هذه الخطوة انظر ما إذا كان بإمكانك تغيير الفكرة السلبية إلى فكرة محايدة أو أكثر إيجابية.

فكر مرة أخرى في الأسئلة التي طرحتها على نفسك عندما كنت تتحقق من أفكارك وانظر كيف يمكنك إعادة صياغة الموقف

بالنسبة لمثال العمل الذي تم طرحه في الفقرة السابقة يمكن أن يكون على الشكل التالي:

“أنا مستعد لقد بذلت الكثير من العمل وسأبذل قصارى جهدي” أو “لقد كنت في هذه الوظيفة لفترة من الوقت وأكملتها” لقد قمت بالعديد من المهام المهمة من قبل، لذلك لن يعتقد أحد أنني فاشل.”

5- استخدم سجل الأفكار للمساعدة في التعامل مع الأفكار السلبية:

لا تقلق إذا وجدت أن عملية “التقاط الافكار والتحقق منها وتغييرها” صعبة في البداية يمكن أن تستغرق كل خطوة وقتاً للتعود عليها، ولكن مع الممارسة ستصبح أسهل.

يمكن أن يساعدك إكمال سجل الأفكار في أي جزء تجده صعباً. هذا تمرين قصير يساعدك في فحص الأدلة الخاصة بأفكارك ومشاعرك تجاه موقف ما، وكيف يمكنك البدء في إعادة صياغتها.

6- لا تقلق إذا لم تتمكن من تغيير فكرة ما

في بعض الأحيان، ستكون قادراً على تغيير فكرة سلبية غير مفيدة إلى فكرة إيجابية أو محايدة، لكن هذا لن يكون ممكناً دائماً.

لا تقلق إذا لم تتمكن من تغيير أفكارك: لا توجد إجابات صحيحة وأخرى خاطئة،

وتغيير الأفكار ليس هو الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها الاستفادة من هذه العملية.

إن إعادة صياغة أفكارك تتعلق بتعلم التفكير بمرونة أكبر والتحكم بشكل أكبر

إذا تمكنت من تعلم كيفية التعرف على الأفكار غير المفيدة وفصلها عن الأفكار المفيدة، فيمكنك العثور على طريقة مختلفة للنظر إلى الموقف.

لن يحل هذا المشكلات التي تواجهها، ولكنه يمكن أن يساعد في كسر الدوامة السلبية ويمنحك منظوراً جديداً – فالأشياء غالباً ليست سيئة كما نعتقد.

المراجع:

  • كولير نانسي ,2023, لا أستطيع التوقف عن التفكير، ط1 ,الرياض، مكتبة جرير
    • الجمعة عبد العزيز، التفكير السلبي، كتيب منشور على قناة المؤلف على التلغرام
    • الجمعة عبد العزيز، كيفية تغيير الأفكار السلبي، كتيب منشور على قناة المؤلف على التلغرام
    • عطية محمد , 2021 , قوة التفكير السلبي، ط1 , القاهرة، مكتبة عصير الكتب
Scroll to Top