الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder – OCD) هو اضطراب نفسي معقد يؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم وأعراض الوسواس القهري تنقسم إلى أفكار متكررة وغير مرغوب فيها تُعرف بالأفكار الوسواسية، وسلوكيات قهرية يشعر الشخص بأنه مضطر لتنفيذها لتخفيف القلق .
غالباً ما يدرك المصابون بالوسواس القهري أن أفكارهم وسلوكياتهم غير منطقية، لكنهم يشعرون بعدم القدرة على مقاومتها. في هذا المقال، سنستعرض أعراض الوسواس القهري، أسبابه، وأهم النظريات المفسرة لهذا الاضطراب.
أعراض الوسواس القهري
تختلف أعراض الوسواس القهري بين الأشخاص، ولكنها تنقسم عادة إلى نوعين رئيسيين: الأفكار الوسواسية والأفعال القهرية.
الأفكار الوسواسية
- الخوف من التلوث: يشعر الشخص بقلق شديد من الجراثيم أو الفيروسات، مما يؤدي إلى تجنب ملامسة الأسطح العامة أو الأشخاص. قد يتخيل المصاب أن لمسة بسيطة لشيء ملوث قد تؤدي إلى أمراض خطيرة.
- الشكوك المستمرة: يشك الشخص في أنه نسي فعل شيء مهم، مثل إطفاء الأنوار أو إغلاق الباب، ويقوم بالتحقق من هذه الأشياء بشكل متكرر خوفًا من حدوث كارثة.
- أفكار عدوانية أو مزعجة: قد تتبادر إلى ذهن المصاب أفكار عنيفة أو مخيفة تتعلق بإيذاء الآخرين أو نفسه، على الرغم من أنه لا يرغب في تنفيذها.
- الوساوس الدينية: يشعر الشخص بالخوف من ارتكاب أخطاء دينية، مثل الشك في صحة العبادات (الوضوء أو الصلاة)، ويكرر هذه العبادات عدة مرات لضمان صحتها.
الأفعال القهرية
- الغسيل المتكرر: تنظيف اليدين أو الجسد بشكل مبالغ فيه خوفًا من التلوث. قد يتكرر الغسيل لعدة ساعات يوميًا.
- التحقق المفرط: العودة للتحقق من الأبواب أو الأجهزة الكهربائية بشكل متكرر للتأكد من عدم حدوث أي خلل.
- العد القسري: تكرار العد بصوت داخلي أو خارجي لأن الشخص يعتقد أن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى عواقب سلبية.
- البحث عن الطمأنينة: قد يسعى المصاب باستمرار إلى طلب التأكيدات من الآخرين بأن الأمور تسير على ما يرام، مثل التأكد من أنه لم يؤذي أحدًا أو أنه لم يترك أي شيء غير مكتمل.
أسباب الوسواس القهري
على الرغم من التقدم الكبير في الأبحاث النفسية، إلا أن الأسباب الدقيقة للوسواس القهري لا تزال غير مفهومة بشكل كامل. ومع ذلك، هناك عدة عوامل يعتقد أنها تساهم في تطور هذا الاضطراب:
العوامل البيولوجية
تشير بعض الدراسات إلى أن اضطراب الوسواس القهري قد يكون مرتبطًا بتغيرات في كيمياء الدماغ. السيروتونين، وهو ناقل عصبي مرتبط بتنظيم المزاج والقلق، قد يكون له دور كبير في ظهور الوسواس القهري. الأبحاث تشير إلى أن اختلال مستوى السيروتونين في الدماغ قد يؤدي إلى تكرار الأفكار والوساوس.
العوامل الوراثية
أظهرت الدراسات أن الوسواس القهري قد ينتشر في العائلات. الأشخاص الذين لديهم أقارب يعانون من هذا الاضطراب يكونون أكثر عرضة للإصابة به. ومع ذلك، لم يتم تحديد جينات معينة تسبب الوسواس القهري بشكل مباشر.
العوامل البيئية
يمكن أن تسهم التجارب الصادمة في ظهور الوسواس القهري أو تفاقمه. على سبيل المثال، الأشخاص الذين مروا بتجارب مؤلمة أو تعرضوا للضغط النفسي الشديد قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالوسواس القهري.
النظريات المفسرة للوسواس القهري
هناك عدة نظريات نفسية وبيولوجية حاولت تفسير أسباب وآليات الوسواس القهري. نعرض فيما يلي أهم هذه النظريات:
النظرية البيولوجية العصبية
تعتمد هذه النظرية على فكرة أن الوسواس القهري ينجم عن خلل في الدوائر العصبية داخل الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن التحكم في الأفكار والقرارات، مثل القشرة الأمامية المدارية والعقد القاعدية. تشير الأبحاث إلى أن هؤلاء المرضى يعانون من نشاط مفرط في هذه المناطق، مما يجعل من الصعب عليهم إيقاف التفكير المهووس.
النظرية السلوكية
تقول هذه النظرية أن الوسواس القهري يتطور نتيجة التعلم الشرطي. وفقًا لهذا المفهوم، يتعلم الشخص أن يقوم بسلوكيات قهرية كوسيلة لتخفيف القلق الناجم عن الأفكار الوسواسية. مع مرور الوقت، تصبح هذه السلوكيات عادة ويصعب التخلي عنها، حيث يحصل الشخص على “مكافأة” مؤقتة بتخفيف القلق عند أداء السلوك القهري.
النظرية المعرفية
تركز النظرية المعرفية على الطريقة التي يفكر بها المصاب بالوسواس القهري. يُعتقد أن هؤلاء الأشخاص يفسرون أفكارهم الوسواسية بشكل خاطئ، حيث يعطون أهمية كبيرة لأفكار غير ضارة. على سبيل المثال، قد يعتقد الشخص أن مجرد التفكير في فكرة سلبية يعني أنه قد يفعلها في الواقع. هذه النظرية تفسر لماذا يشعر المصابون بالذنب أو القلق حيال أفكارهم.
النظرية النفسية الديناميكية
تستند هذه النظرية إلى مفهوم الصراع الداخلي. حيث ترى أن الوسواس القهري ينبع من صراعات نفسية داخلية غير واعية، تتعلق بالرغبات المكبوتة أو المخاوف. يُعتقد أن السلوكيات القهرية هي طريقة رمزية للتعامل مع هذه الصراعات.
تشخيص الوسواس القهري
تشخيص الوسواس القهري يتطلب من المختص النفسي تقييمًا شاملاً يشمل الحديث مع المريض عن الأعراض التي يواجهها ومدى تأثيرها على حياته اليومية. يُشترط لتشخيص الوسواس القهري أن تكون الأعراض متكررة ومزعجة بما يكفي لتعطيل الحياة الطبيعية للفرد.
علاج الوسواس القهري
العلاج يشمل عادةً العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يركز على تعريض المريض لأفكاره الوسواسية دون السماح له بتنفيذ السلوكيات القهرية، مما يخفف من القلق المرتبط بهذه الأفكار. كما تُستخدم الأدوية مثل مضادات الاكتئاب التي تساعد على إعادة التوازن الكيميائي في الدماغ. يُنصح بالدمج بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي لتحقيق أفضل النتائج.
خاتمة
الوسواس القهري هو اضطراب نفسي معقد يؤثر على الكثيرين، وقد يؤدي إلى تدهور في جودة الحياة إذا لم يتم علاجه بشكل صحيح. ومع ذلك، يمكن للأشخاص المصابين بالوسواس القهري تحسين حياتهم عبر العلاج المناسب والدعم النفسي. من المهم أن يتفهم المصابون أن العلاج قد يستغرق وقتًا، وأنه لا عيب في طلب المساعدة من المختصين.
المراجع
- اضطراب الوسواس القهري: دليلك إلى المساعدة الذاتية – تأليف د. أحمد الهادي، ترجمة بالتعاون مع كرسي سابك لأبحاث وتطبيقات الصحة النفسية والمركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية. تم الاستناد إلى هذا الدليل في شرح أعراض الوسواس القهري وبعض استراتيجيات التعامل معه.
- الوسواس القهري دليل تثقيفي للمصابين وذويهم إعداد أخصائية أول علم نفس سريري حصة بنت مسفر الغامدي
Pingback: علاج الوسواس القهري: دليل شامل للتخلص من الأفكار القهرية - انسجام
Pingback: التعرض ومنع الاستجابة للوسواس القهري - انسجام