اضطراب ما بعد الصدمة

كل ما تحتاج معرفته عن اضطراب ما بعد الصدمة: الأعراض، الأسباب،وطرق العلاج

اضطراب ما بعد الصدمة، أو كما يعرف اختصارًا بـ PTSD، هو اضطراب نفسي قد يتطور بعد التعرض لأحداث صادمة تهدد الحياة أو الصحة الجسدية أو النفسية.

ويتسم هذا الاضطراب بأعراض متكررة ومؤثرة على حياة المصاب، مما يعيق الأداء اليومي بشكل كبير ويؤثر على جودة الحياة.

من خلال هذا المقال، سنستعرض كل ما تحتاج معرفته حول اضطراب ما بعد الصدمة، بما في ذلك تاريخه، أسبابه، أعراضه، مراحله، وأهم طرق العلاج.

لمحة تاريخية عن اضطراب ما بعد الصدمة

يعود مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة إلى عصور قديمة، حيث كان البشر يلاحظون الأعراض النفسية والجسدية التي تصيب الجنود بعد الحروب.

يُعتقد أن الحضارات القديمة مثل الحضارة الإغريقية، كانت توثق هذه الظواهر ضمن قصصها وأساطيرها عن المحاربين ومع تطور الطب النفسي الحديث، بدأ العلماء في دراسة آثار الصدمات بشكل منهجي.

في العصر الحديث، ظهرت أولى التسميات الرسمية للاضطراب في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حين وُصف بأنه “عصاب الحرب”، لكن الاعتراف الرسمي باضطراب ما بعد الصدمة لم يتم حتى عام 1980، حين أدرجت الجمعية الأمريكية للطب النفسي هذا الاضطراب في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-III).

ومنذ ذلك الوقت، تطورت مفاهيم التشخيص والعلاج لهذا الاضطراب بشكل كبير.

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة

يتطور اضطراب ما بعد الصدمة عادةً بعد التعرض لحدث صادم، مثل الكوارث الطبيعية (كالزلازل أو الأعاصير)، أو الحوادث المرورية الخطيرة، أو التعرض للعنف الجسدي أو الجنسي، أو التجارب الحربية.

تترك هذه الحوادث تأثيراً قوياً ومستمراً على الدماغ، حيث يبقى الجهاز العصبي في “حالة طوارئ” دائمة.

وتتسبب هذه التجارب في استعادة الذكريات بشكل متكرر مما يؤثر على حالة الفرد النفسية..

إلى جانب الحوادث المباشرة، يمكن أن تلعب بعض العوامل الوراثية والبيئية دوراً في تحديد مدى استعداد الفرد للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.

وُجد أن الأشخاص الذين يعانون من تجارب الطفولة المؤلمة أو لديهم تاريخ عائلي مع الأمراض النفسية قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة

يظهر اضطراب ما بعد الصدمة من خلال مجموعة متنوعة من الأعراض التي تتوزع بين أعراض اقتحاميه وتجنبيه وتغيرات في الأفكار والسلوكيات، وتشمل

الأعراض الاقتحامية

  • استعادة ذكريات مزعجة ومؤلمة للحدث الصادم، قد تظهر كفلاشات وتسترجع التفاصيل كاملة.
  • أحلام وكوابيس مزعجة متكررة تعيد صياغة الحدث الصادم.
  • شعور الفرد كما لو كان يعيش الحدث مجددًا، فيما يسمى بـ “الإحساس بعيش الحدث”.

الأعراض التجنبية

  • تجنب الأماكن والأشخاص المرتبطين بالحادث الصادم.
  • تجنب التفكير أو الحديث عن التجربة الصادمة.

الأفكار والمشاعر السلبية

  • مشاعر سلبية تجاه الذات والآخرين.
  • مشاعر شديدة من الذنب، العار، والخوف.

التغيرات في السلوك

  • ردود فعل عدوانية أو اندفاعية.
  • صعوبة في التركيز والنوم.
  • استجابة قوية للأصوات العالية أو المفاجئة (الجفول).

مراحل تطور اضطراب ما بعد الصدمة

يمر اضطراب ما بعد الصدمة بعدة مراحل تبدأ من لحظة الصدمة وصولاً إلى مرحلة الاستجابة الطويلة، وتشمل

مرحلة الذهول والصدمة

تبدأ مباشرة بعد الحدث الصادم، وتتسم بالخوف الشديد والشعور بالعجز، وربما الإنكار في بعض الأحيان.

مرحلة الاقتحام

يمر الفرد بذكريات متكررة ومؤلمة تعيد له تفاصيل الحدث، وقد يشعر بأنه يعيش الحدث مرة أخرى.

مرحلة التجنب

يحاول الفرد الابتعاد عن المحفزات التي تذكره بالحدث، وقد يلجأ إلى تجنب العلاقات الاجتماعية، أو الاعتماد على الكحول والمخدرات للتغلب على مشاعر القلق.

مرحلة التقبل

في هذه المرحلة، يحاول المريض التأقلم مع التجربة، لكنها قد تكون مصحوبة بمشاعر مستمرة من التوتر والقلق.

العلاجات المتاحة لاضطراب ما بعد الصدمة

تتنوع طرق علاج اضطراب ما بعد الصدمة، وتستهدف تحسين جودة الحياة والتقليل من الأعراض المزعجة للمريض. تشمل طرق العلاج

العلاج المعرفي السلوكي (CBT)

يعتبر العلاج المعرفي السلوكي من أهم العلاجات الفعالة، حيث يهدف إلى مساعدة الفرد على تغيير الأفكار السلبية وتطوير استراتيجيات مواجهة فعالة للتعامل مع الذكريات المزعجة.

العلاج بالتعرّض

يهدف هذا النوع من العلاج إلى مساعدة المريض في مواجهة ذكرياته الصدمية بطريقة آمنة وتدريجية، بهدف تقليل التأثير النفسي لهذه الذكريات مع مرور الوقت.

العلاج المعرفي السلوكي المركّز على الصدمة

يُعتبر العلاج المعرفي السلوكي المركّز على الصدمة (TF-CBT) نموذجاً متخصصاً من العلاج المعرفي السلوكي

ويهدف إلى التعامل مع الصدمة بشكل مباشر. يساعد هذا النوع من العلاج المريض على مواجهة التجربة الصادمة بطريقة آمنة

حيث يتم تقديم تقنيات تعلمه كيفية التعامل مع المشاعر السلبية التي تثيرها الذكريات، وتُستخدم غالبًا تمارين سرد التجربة التي مر بها الشخص في بيئة آمنة ومدعومة، مما يساعده على إعادة بناء تصوره للحدث وتقليل تأثيره السلبي.

العلاج بحركة العين وإعادة المعالجة (EMDR)

EMDR أو العلاج بحركة العين وإعادة المعالجة، هو أسلوب علاجي فعّال في علاج اضطراب ما بعد الصدمة.

يتم خلال هذا العلاج تحفيز العين عبر حركات معينة بينما يستعرض المريض التجربة الصادمة في ذهنه، وهذا يُساعد على تقليل مشاعر الخوف والقلق المرتبطة بالحدث الصادم

يُعتقد أن هذه الحركات تعمل على “إعادة معالجة” التجربة الصادمة، بحيث يمكن للعقل أن يحتفظ بالذكرى دون التفاعل معها بشكل مبالغ فيه.

العلاج الدوائي

في بعض الحالات، قد يصف الأطباء أدوية مضادة للاكتئاب أو القلق لتخفيف الأعراض المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة.

الدعم النفسي والاجتماعي

يساعد الدعم من الأصدقاء والعائلة في تخفيف آثار الاضطراب، ويعزز من شعور الفرد بالأمان والاستقرار.

كيفية اختيار العلاج المناسب ؟

اختيار العلاج يعتمد على حالة المريض ومدى تأثير الأعراض على حياته اليومية.

قد يختار الطبيب استخدام أكثر من نوع علاج في نفس الوقت، مثل الجمع بين العلاج النفسي والأدوية، أو قد ينصح بالتوجه نحو علاج محدد مثل EMDR إذا كانت الأعراض تتضمن ذكريات مقتحمة وصور ذهنية متكررة عن الحدث.

كيفية الوقاية من اضطراب ما بعد الصدمة؟

رغم أن الوقاية من اضطراب ما بعد الصدمة قد لا تكون ممكنة في جميع الحالات، إلا أن التوجه للحصول على مساعدة نفسية بعد التعرض لحدث صادم يمكن أن يقلل من فرص الإصابة به.

ويُشجّع الأفراد على مشاركة مشاعرهم وتجاربهم مع أشخاص داعمين، وعدم التردد في طلب المساعدة المتخصصة عند الحاجة.

الخاتمة

اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب نفسي شديد يتطلب اهتماماً وعناية خاصة.

ومع زيادة الوعي الصحي والنفسي حول هذا الاضطراب، يمكن للمجتمع أن يقدم دعماً أفضل للمصابين، ويعزز من فرص الشفاء والتعافي.

من الضروري أن يُدرك الجميع أن الحصول على الدعم والمساعدة ليس علامة ضعف، بل خطوة شجاعة نحو حياة أفضل.

المصادر

عبد الرحمن، محمد. الاضطرابات النفسية وأمراض المجتمع. دار المعارف، 2015.

عبد الكريم، أحمد. الأسس النفسية للصدمات النفسية واضطراب ما بعد الصدمة. المركز القومي للبحوث الاجتماعية، 2019.

الجندي، أحمد. “التدخلات النفسية لاضطراب ما بعد الصدمة: دراسة ميدانية”. مجلة العلوم النفسية، المجلد 25، العدد 4، 2020.

Scroll to Top