علم النفس ليس مجرد علم يعنى بدراسة العقل والسلوك، بل هو حقل غني بالأفكار والنظريات، التي غالبًا ما تتحول إلى خرافات متداولة على ألسنة الناس. كتاب “أشهر 50 خرافة في علم النفس” يسلط الضوء على العديد من الأفكار الخاطئة التي يعتقدها البعض حقيقة لا نقاش فيها. في هذا المقال، سنتناول مجموعة من هذه الخرافات وندحضها استناداً إلى الأدلة العلمية.
الخرافة الاولى: الإنسان يستخدم 10% فقط من دماغه
هذه الخرافة تعد من أكثر الخرافات انتشاراً حيث يعتقد الكثيرون أن الإنسان لا يستغل سوى 10% فقط من قدراته العقلية، وأن هناك قوة غير مكتشفة داخل عقولنا.
في الواقع، أظهرت الأبحاث العلمية أن الدماغ يعمل ككتلة واحدة تقريباً ولا يوجد جزء منه غير مستخدم
. كل مناطق الدماغ تُستخدم بشكل منتظم خلال اليوم، سواء في معالجة المعلومات، التحكم في الحركات أو التفكير والتحليل.
إذًا، إذا كنا نستخدم 10% فقط، لماذا أصابنا التعب والإرهاق؟ العلم ببساطة يُفند هذا الادعاء الشائع.
الخرافة الثانية: بعض الأشخاص “يميني الدماغ” والبعض الآخر “يساري الدماغ”
من الشائع أن نصف شخصاً بأنه “يميني الدماغ” (يعتمد على التحليل والمنطق) أو “يساري الدماغ” (يعتمد على الإبداع والعاطفة).
لكن الحقيقة العلمية تختلف تماماً؛ الدماغ يعمل كوحدة واحدة متكاملة، والجزئين الأيمن والأيسر يتفاعلان بشكل متكامل في التفكير والتحليل والإبداع.
الدراسات توضح أن الدماغ لا يعمل بشكل مقسم بهذا الشكل المطلق، بل يعتمد على توزيع المهام، ما يوضح أن الإبداع والمنطق ليسا محصورين في أحد جانبي الدماغ فقط.
الخرافة الثالثة: الصدمات النفسية تُنسى بمرور الزمن
يعتقد البعض أن مرور الزمن يكفي للتخلص من تأثيرات الصدمات النفسية، ولكن الدراسات توضح عكس ذلك.
الصدمات غالباً تترك أثراً طويل الأمد وقد تؤدي إلى أعراض جانبية مثل الكوابيس أو حتى اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)
فبدلاً من أن يمحو الزمن الألم، يظهر أن مواجهة الصدمة ومعالجتها هو الأسلوب الأنجح لتجاوزها، حيث أن تجاهلها قد يجعل الأعراض تزداد تعقيداً بمرور الوقت.
الخرافة الرابعة : يمكن تعلم مهارات جديدة أثناء النوم
هذه الفكرة تبدو مثيرة للغاية، أليس كذلك؟ أن تستمع إلى درس لغة جديدة أثناء النوم وتستيقظ متحدثاً بها بطلاقة! لكن، وللأسف، العلم يقول غير ذلك
التعلم يتطلب التركيز والانتباه، وهما حالتان لا تتوفران أثناء النوم.
الأبحاث تشير إلى أن العقل قد يكون أكثر استعداداً لاستيعاب بعض المعلومات البسيطة خلال فترات النوم السطحي، لكن لن تكون بنفس كفاءة التعلم في حالة اليقظة والانتباه.
الخرافة الخامسة: التنويم المغناطيسي يتحكم بالعقل
فكرة أن التنويم المغناطيسي يمكن أن يجعل الإنسان يفعل ما لا يريده هي فكرة مستمدة من الأفلام والقصص.
في الواقع، التنويم المغناطيسي هو حالة من الاسترخاء العميق والتركيز، لكنه لا يلغي إرادة الشخص أو تحكمه الكامل في تصرفاته.
الدراسات أظهرت أن الأشخاص تحت التنويم المغناطيسي يبقون واعين ويمكنهم رفض أي توجيه يخالف مبادئهم أو رغباتهم الشخصية، ما يعني أن التنويم لا يحول الناس إلى دمى خاضعة.
الخرافة السادسة : الذاكرة مثل جهاز الفيديو تسجل الأحداث بدقة
من المعتقد أن العقل يعمل مثل كاميرا تسجل كل تفاصيل حياتنا بدقة، بحيث يمكننا استرجاعها لاحقاً.
لكن العلم يثبت أن الذاكرة البشرية ليست دقيقة تماماً، بل هي عملية ديناميكية تتعرض للتشويش والتأثر بالمشاعر والمواقف.
قد نضيف تفاصيل لم تكن موجودة، أو ننساها تماماً، لأن الذاكرة تخضع لمؤثرات عديدة تجعلها تتغير بمرور الوقت.
الخرافة السابعة : الغضب المكبوت ضار ويجب التنفيس عنه بالصراخ
يعتقد البعض أن الغضب المكبوت يضر بالصحة وأن التعبير عنه بشكل عنيف هو الحل الأمثل.
بينما تُظهر الأبحاث أن التنفيس العنيف عن الغضب قد يزيد من الشعور بالتوتر بدلاً من تخفيفه، وأن التحكم بالغضب وممارسة استراتيجيات مثل التفكير الإيجابي أو التأمل يُعدُّ أكثر فعالية في التعامل مع الغضب.
ما نحتاجه فعلاً هو إدارة عواطفنا بطرق صحية، وليس إطلاقها بدون رقابة.
الخرافة الثامنة : التحدث عن مشاكلك يجعلك تشعر بالتحسن دائماً
فكرة أن التحدث عن كل مشكلة يخفف من الألم هي نصف الحقيق
التحدث عن المشاكل بطرق معينة يمكن أن يساعد، لكن في حالات أخرى قد يزيد من القلق أو يضيف إلى الأعباء النفسية.
الحديث الفعّال هو ذلك الذي يركز على الحلول بدلاً من إعادة سرد المشاكل مراراً وتكراراً
الخرافة التاسعة : العلاج النفسي يمكن أن يكون ضاراً لأنه يجعلك تتحدث عن مشاكلك فقط
بعض الناس يعتقدون أن العلاج النفسي هو مجرد جلسة للحديث بلا هدف، وأن ذلك قد يزيد من تعقيد المشاكل.
لكن الحقيقة أن العلاج النفسي يعتمد على أساليب مدروسة ويعتمد على المساعدة في تطوير مهارات التفكير والتكيف مع الظروف، مما يجعل التأثيرات إيجابية في الغالب.
الخرافة العاشرة : الأطفال الذين يتعرضون للعنف يصبحون بالضرورة عدوانيين في المستقبل
هذه الخرافة تبني علاقة حتمية بين تعرض الطفل للعنف وتطوره ليصبح شخصاً عدوانياً
لكن الدراسات توضح أن التأثير يعتمد على العديد من العوامل الأخرى، مثل الدعم العائلي والمحيط الاجتماعي.
الأطفال المتضررون من العنف يمكنهم أن يتغلبوا على التجربة بمساعدة نفسية ودعم إيجابي.
الخاتمة
يظل علم النفس مجالاً معقداً، حيث تتداخل فيه الحقائق مع الخرافات، ولكن مع تطور الأبحاث، يمكننا اليوم تصفية الواقع من الأسطورة.
التخلص من هذه الخرافات يمنحنا فهماً أعمق وأفضل لأنفسنا وللآخرين، ويجنبنا الوقوع في أفكار قد تؤثر سلباً على حياتنا.
لذا، إذا سمعت يوماً إحدى هذه الخرافات، تذكر أن تتأكد من صحتها، فالحقائق في علم النفس ليست دائماً ما نتوقعه.
هل تعتقد أن هناك خرافة أخرى لم نذكرها هنا؟ شاركنا رأيك!
المصدر
كتاب اشهر 50 خرافة في علم النفس